Le dernier discours de Mustapha Ben Jaafar au cours de la dernière réunion de l’Assemblée nationale constituante, ce jeudi 20 novembre 2014. (texte original en arabe)
الكلمة التي ألقاها الدكتور مصطفى بن جعفر
رئيس المجلس الوطني التأسيسي
في الجلسة الختامية
لأعمال المجلس الوطني التأسيسي
20 نوفمبر 2014
بسم الله الرحمان الرحيم
حضرات الزملاء الأفاضل،
نواب المجلس الوطني التأسيسي،
نجتمع اليوم للمرة الأخيرة كنواب للمجلس الوطني التأسيسي، لنختم أعمالنا، وإنّما الأعمال بخواتمها، وأحسب أنّنا أدّينا المهمّة وراعينا الأمانة وحافظنا على القسم الذي بدأنا به أعمالنا وهو قسم عظيم أمام الله والشعب والتاريخ، حفظنا وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها وسط عواصف عاتية، ونجحنا في قيادة السفينة إلى برّ الأمان وهو ما سيسجله التاريخ، وأنجزنا الدستور الذي تفخر به اليوم بلادنا، والذي عهد إلينا شعب الثورة كتابته تحقيقا لطموحه في الحرية والكرامة وتأسيسا لدولة الحقوق والقانون، دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحقيقا لنضالات الأجيال.
عملنا بمختلف رؤانا وتوجهاتنا واجتهاداتنا على تغليب المصلحة العليا، عشنا فترات صعبة ومرهقة، وتناقشنا طويلا واختلفنا ولكن كنّا دائما نتوصّل للتوافق ونجد الحلول المقبولة، اكتشفنا بعضنا وقبلنا تنوّعنا الذي وجدنا فيه ثراء وانعكست من خلاله صورة للثقافة التونسية الثريّة بتعدّد أبعادها، واستطعنا أن ننجز دستورا توافقيا يبني لتونس المستقبل وعلى أسس صلبة رؤية مجتمعية تقوم على التنوّع والتعدّد وتحفظ عناصر الهويّة الأصيلة في بعدها العربي الإسلامي المتجذر في تفاعل حضاري منفتح على الآخر ثقافيا وعلميا واقتصاديا وسياسيا، مؤصّلا القيم السامية في المنظومة الحقوقية في بعدها الإنساني الكوني، ودسترنا الضمانات الكافية التي تقطع مع موروث الاستبداد سدّا لكل أبواب العودة للحيف والديكتاتورية.
ونحن على يقين من أن الشعب التونسي سيكون أعظم حارس للدستور بمؤسساته وقواه المدنية وبوعيه بأن الدّم الذي دفعه ثمنا لحرية لم يهبها له أحد ولن يتنازل عنها أبدا لأيّ كان.
نجحت تونس في تجاوز المرحلة الانتقالية بفضل الوطنية العالية لقياداتها السياسية وقوّة ومتانة مجتمعها المدني، ونضج شعبنا الذي لم ينزلق إلى الفوضى، ونجاح كل القوى الوطنية في معالجة الأزمات بإدارة حوار وطني مدني يجمع بين الحكومة والأحزاب السياسية برعاية من منظمات المجتمع المدني المتجذرة في تاريخ تونس، والوصول إلى التوافقات الضرورية في القضايا الكبرى لحلّ الصعوبات التي كانت تهدّد بنسف كامل المسار الانتقالي.
نجحنا أيضا في تأمين التداول السلمي على السلطة بطريقة سلمية وحضارية ، وبدأنا نكتسب التقاليد الديمقراطية التي ستجعل من تونس نقطة مضيئة ونموذجا يجلب الإحترام وجدير بثقة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والدوائر الاقتصادية مما سيكون له الانعكاس الإيجابي على تعافي الاقتصاد الوطني الذي نراه اليوم يتمتع بمؤشرات واعدة جدا.
لقد نجحنا في ترسيخ التداول السلمي على السلطة، ونجحت تونس في تنظيم الانتخابات التشريعية يوم 26 أكتوبر 2014 الذي كان تتويجا لمسار طويل، بدأ بالمصادقة على القانون الانتخابي والمصادقة على قانون المنظّم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي نصّ عليها الدستور، والمصادقة على أعضائها، ثمّ إصدار القانون المنظم لهذه الانتخابات وضبط تاريخها، نهنّئ كل الأحزاب والقائمات الفائزة في هذه الانتخابات التشريعية الأولى وأمامهم مسؤولية عظيمة في مواصلة العمل الذي بدأناه ووضعنا حجره الأساس وهو الدستور، بتنصيب الهيئات الدستورية المنصوص عليها والمصادقة على قوانينها الأساسية، هنيئا للفائزين والديمقراطية هي صيرورة متواصلة وهذا ما يؤمن به كلّ إنسان ديمقراطي فمن لم تختره الإرادة الشعبية هذه المرّة عليه أن يراجع طرق عمله وأن يستعدّ من اليوم للانتخابات القادمة وهي مهمّة جدا في إرساء اللاّمركزية وأقصد انتخابات المجالس المحلية التي يجب أن تكون من أولويات المرحلة القادمة.
حضرات الزميلات والزملاء،
ونحن نختم أعمالنا وتوضيحا لشعبنا لحقيقة العمل الذي قمنا به واجبا وتأدية للأمانة التي تعهدنا بها، لابدّ أن أكشف عن بعض الأرقام التي تعبّر بصدق عن عمق العمل الذي قمنا به فقد عقد المجلس الوطني التأسيسي295 جلسة عامة و 441 اجتماعا للجان التأسيسية وجلسات الاستماع وللجنة المشتركة للتنسيق والصياغة و49 جلسة للجنة التوافقات و210 جلسة للجان الخاصة و566 جلسة للجان التشريعية وجلسات الاستماع.
عملنا على مدى ساعات متواصلة تواصلت في كثير من الأحيان إلى ساعات متأخرة من الليل وقد تابع المواطنون هذه الجلسات العامة على البث التلفزي المباشر، وهم مطّلعون على الأوقات التي انتهت أحيانا في وقت جد متأخر ، أمّا ما لايعرفه الكثيرون فهو العمل الكبير والشاق الذي كانت تقوم به اللّجان المختلفة ونعطي مثالا بليغا لذلك فقد استمر عمل لجنة فرز أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة برئاستي يوم 01 ماي 2014 من الخامسة و50 دقيقة مساء إلى حدود الخامسة و15 دقيقة صبيحة اليوم التالي أي على مدى 11 ساعة و35 دقيقة، وقد عملنا بنسق مرتفع سواء في لجنة التوافقات أو غيرها من اللجان في ظروف جد مرهقة ولفترات متواصلة.
وقد أنجز المجلس الوطني التأسيسي أعماله في إطار عال من الانفتاح على كافة مؤسسات المجتمع المدني ومختلف الخبرات والأكادميين والسياسيين وقد عقدت اللجان التأسيسية والتشريعية والخاصة جلسات استماع مطولة مع طيف واسع ومتنوع من ممثلين عن الجمعيات المدنية ومختلف الكفاءات الوطنية، كما دارت كافة أعمالنا في إطار عال من الشفافية وبتغطية مكثّفة من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية.
حضرات الزميلات والزملاء،
ونحن نختم أعمالنا اليوم نفتقد زميلين عزيزين فقدنا أحدهما إثر جريمة إرهابية غادرة وجبانة المرحوم الحاج محمد البراهمي وزميلنا الذي استهلك عمره وهو يدافع في كل محطات حياته عن المبادئ السامية التي ناضل من أجلها زميلنا المرحوم محمد العلوش هذه الشموع التي أطفأت واشتعلت حدّ الانطفاء لتنير طريق الحرية تغمدهم الله جميعا برحمته ورضوانه.
نترحم أيضا على كل شهداء الوطن من المؤسستين العسكرية والأمنية الذين الذين سقطوا في ساحة الشرف دفاعا عن الوطن أمام قوى البغي والإرهاب.
وفي الختام أتوجه بالشكر لكلّ الخبراء من تونس وخارجها وممثلي المجتمع المدني والجمعيات والأحزاب والأكادميين والكفاءات الذي عملوا معنا وشاركوا في جميع المراحل بإبداء الرأي ومساندة عمل المجلس، وأثروا بأفكارهم وآرائهم وخبرتهم أعمالنا.
الشكر أيضا لجميع الإعلاميين الذين غطوا أعمال المجلس في كلّ الأوقات ونقلوا الصورة كما هي للشعب وسهروا معنا تلك الليالي التي ستبقى خالدة في ذاكرة تونس وخاصة ليلة المصادقة على دستور الثورة 26 جانفي 2014 والتي امتدت حتى ساعات الفجر الأولى بما في الفجر من دلالات.
الشكر إلى جيشنا الوطني وقواتنا الأمنية على وقوفها مع الثورة وتأمين المسار الانتقالي والتزامها الحياد وانضباطها في أداء الواجب وحماية البلاد، درعا حصينا للوطن.
الشكر لكل الدول الشقيقة والصديقة وللمنظمات الدولية التي ساندت الثورة ودعّمت عمل المجلس الوطني التأسيسي وقد عرفت الديبلوماسية البرلمانية طيلة عمل المجلس الوطني التأسيسي ديناميكية كبيرة سواء بمشاركة الوفود البرلمانية في أهم التظاهرات البرلمانية الدولية أو باستقبالنا لعديد القيادات السياسية على المستوى الدولي رؤساء دول ( 7 رؤساء)ورؤساء حكومات(08 رئيس حكومة ) ورؤساء برلمانات(19 رئيس برلمان) ومنظمات دولية بالإضافة الوفود المختلفة من البلدان الشقيقة والصديقة، وقد عملنا من خلال هذه الدبلوماسية البرلمانية على تعزيز حضور تونس الدولي وكسب الصداقات وتنمية التعاون وجلب الاستثمار، والحقيقة أن تونس الثورة وتجربتها المتقدمة في الانتقال الديمقراطي قد جلبت لها الاحترام، وكسبت رصيدا هاما من الثقة لمسناه عند كل ضيوفنا ومع كل من التقينا به سواء في تونس أو خارجها، وقد تشرفنا بحضور رفيع المستوى من عدد مهم من بلدان العالم والمنظمات الدولية في مناسبتين حفل المصادقة على الدستور يوم 27 جانفي 2014 وموكب ختم الدستور يوم 07 فيفري 2014 بما في ذلك من اعتراف واحترام دولي بما أنجزناه في تونس.
أتوجه بالشكر في الختام وختامها مسك، إلى كافة الإطارات والمستشارين ومختلف موظّفي وأعوان المجلس الوطني التأسيسي الذين عملوا بالفكر والساعد بكل جهد على تيسير أشغالنا وسهروا حتى أوقات متأخرة لمواكبة أشغال اللجان والجلسات العامة.
أدعوكم الآن للتوقيع على هذه النسخة التاريخية من دستور 27 جانفي 2014 حتى تبقى في ذاكرة الأجيال شرفا لكم أنتم تستحقوه وسيذكره التاريخ في صفحات تونس المشرقة.